رأي

إضاءة سياسية “النظام الدولي الكوروني” .. محمد سعيد سلام

أوطان بوست – رأي – محمد سعيد سلام

ظهرت كتابات وتحليلات عده في الأيام القليلة الماضية عربية وغربية تتناول الآثار التي سيتركها وباء كورونا على النظام العالمي ” الدولي ” واتفقت جميعها – من خلال ما اطلعت عليه – على أن العالم بعد كورونا لن يكون كما قبله، واختلفت هذه الكتابات – الرفيعة منها – على حدود هذا التغير وعلى جوهره وعلى حجمه .

وأريد مقاربة هذا التغير الواقع حكما من نقطة محورية هي الربيع العربي وتحديدا الثوره السورية دون التقليل من بقية دوله .
صحيح أن العولمة والنظرة إليها والتعامل معها قضية مركزية في استشراف التغير الدولي، وصحيح كذلك ان الاقتصاد وأسواق المال والشركات الكبرى موضوعات مهمة في تصور هذا التغير شكلا وماهية، لكن القيمة الأخلاقية التي تتمحور حول الإنسان ذاتا وفكرا ومشاعر وصحة وعلاقات وثقافة واقتصادا سيكون لها الدور الأكبر في إحداث هذا التغيير.

وإن بروز أهمية القيمة الأخلاقية في السياسة المحلية والإقليمية والدولية بعد تعامله مع الوباء الكوروني ما كان ليظهر بهذا الوضوح لولا محطة الربيع العربي ونموذجه السوري، وكيفية تعامل الإقليمي والدولي مع قراره الشعبي، وكيف تلاعب واستثمر بآلامه ودمائه وأعراضه .

ويمكن جزم القول وتأكيده أن مستوى وأثر الوباء الكوروني في تغيير رؤية العالم للقيم الأخلاقية ومكانتها في أولويات السياسة والساسة وقراراتهم كان يمكن تغييبه والتعتيم عليه وطمسه لولا الوعي السياسي المهم الذي ولده الربيع العربي وثورته السورية في أعماق إنسان المنطقة وما يحيط بها أوروبيا وأمريكيا وأفريقيا وآسيويا بغض النظر عن مستوى هذا الوعي ونسبته.

اقرأ أيضاً: أسامة عثمان يكتب لـ ” أوطان بوست” كورونا، حين يكشف عيوب الساسة

وربما تستغرب او تستنكر فئة معينة أو ترفض عملية الربط والأثر للربيع العربي بما يجري حاليا بخصوص الوباء الكوروني وتبعاته على العالم ونظامه الدولي، لكن كثيرين على الأقل في منطقتنا المهمة على الخارطة العالمية والمؤثرة في أحداثها يجدون ترابطا محكما, ويجرون محاكمات منطقية سياسية غاية في الأهمية والدقة .

فالسوري – ومثله اليمني والليبي والمصري والتونسي – يراقب عملية اتخاذ التدابير في مواجهة فيروس كورونا ويقارن بعقلية سياسية واعية أو فطرية بين هذه التدابير وبين عملية فتح الحدود منذ عام 2011 أمام المليشيات ااطائفية المقيتة من دول عدة لتقوم بكل الموبقات، ثم يقال في الإعلام الغربي أن ما يجري في سورية حرب أهلية !
ويقارن أيضا بينها وبين فتح السجون في عدة بلدان أمام عينة بشرية، ثم تسهيل عبورها الى سورية، وهم يدركون تماما أثر هذه العينة على الحريات والدماء الزكية والأعراض.

كما يقارنها السوريون مع فتح مخازن الأسلحة أمام العصابة الحاكمة لتفتك بالأبرياء أمام أعين العالم أجمع وعدساته الإعلامية.

ومثل ذلك يقال أو قريبه عن الحالة اليمنية والحالة الليبية والمصرية وسواها، من غير أن يغيب عن الذاكرة فلسطين وغزتها، والعراق والصومال وأفغانستان والبوسنة والهرسك وسبرنستها، ورواندا وفاجعتها.

لا تتم هذه المقارنة بمنطق التشفي من الآخرين والكراهية لهم باعتبار ردود أفعالهم والحقد عليهم حينما سكتوا أو تواطؤوا أو شاركوا المجرمين في توحشهم، بل لا يليق بالساعين إلى الحرية وإلى تحقيق العدالة ونبذ الاستبداد اي من هذه المعاني أو مثيلاتها ضمن أي حد أو مستوى من المستويات.

والذي يجري – وهو مشروع على الإطلاق – فتح الحوار واستقصاء مواقف الحكومات والمنظمات والقنوات الإعلامية والشعوب على حد سواء، والمناظرة بين حالتي فتك وقتل.

فهل يعقل ان تصرح حكومة الآن في هذا الظرف الدولي وتقول إن من مصلحتها ان يتفشى هذا الفيروس في بلد معين ويفتك به ولا تحرك تجاه ذلك ساكنا بدعوة حماية أمنها القومي أو محاربة إرهاب دون آخر ؟!

هل من المهنية الإعلامية والحيادية والموضوعية ان تفسح إحدى القنوات المجال أمام أحدهم ليرفع الصوت عاليا مدافعا عن ضرورة انتشار الفيروس في جغرافيا ما لتحقيق منافع اقتصادية ؟!

هل يقبل من شعب ما أن يتابع حياته بكل سلاسة وهدوء دون ان يقوم باي خطوة عندما يشاهد الفيروس يرمي ضحاياه من غير هوادة في أرض أخرى يعاينها ويعلم ما يجري فيها، ثم يرضى بتبريرات حكومته وإعلامها ؟!

هل من الطبيعي ان يطرح مشروع قرلر على مجلس الأمن لمكافحة الفيروس الكوروني الوبائي ومنع انتشاره بين الأطفال والنساء والشيوخ لانقاذ حياتهم فترتفع يد او أكثر لتمنع تمريره يحجة أنها إحدى الكبار – أكابر مجرميها – ولا حرج بعدها ولا قيمة لمشاعر الأمهات بفقدان فلذات أكبادهم ولا لأحاسيس الأطفال ومستقبلهم بتوديع آبائهم ولا معنى لعواطف الزوجات تجاه أزواجهن ؟!

هل يقبل أن تسقط أيادي مجلس الأمن الكوروني من حسابها عدد القتلى حتى إن كان بعشرات أو مئات الألوف، ولا تلقي بالا لمعتقلي الرأي والتعذيب الوحشي الذي يتعرضون له، ولا تعير انتباها لتشريد وتهجير ملايين الناس واقتلاعهم من أرضهم وإغراقهم في المجهول ؟!

أما انتهاك الاعراض فهذا أقل من أن يفكر فيه أو يبحث.

اقرأ أيضاً: ” كارثة ” تنتظر اليمن حال وصول كورونا .. محمد المياس

كل ذلك يحدث أمام مرأى العالم، هذا إذا سلمنا جدلا أن الإجرام والتوحش يحدث دون إرادته وبعيدا عن تغذيته ودعمه.

هذا هو النظام الدولي الكوروني بقيادة الولايات الأميركية، وهذه هي حقيقته، وتدور في فلكه بكل رضا وقناعة أوروبا وروسيا والصين والكيان الصهيوني وإيران والمنظومة المستبدة، وسائر أعضاء الأمم المتحدة، وجميعهم يريدون الحفاظ عليه ويدعمون كل ما يريده سيده – النظام – ويقدمون له فروض الطاعة في قيادة هذا النظام، ويتحاشون إزعاجه إلا من خطابات أو شعارات أو تصريحات يأذن بها، أو يجازفون بها ليتخلصوا من بعض الضغوطات ويحافظوا من خلالها على بعض ماء وجوههم صورة لا حقيقة.

وفي الختام فعلى كل من ساهم في دورة الربيع العربي للتخلص من عفونة الاستبداد ودناءات المستبدين أن يجد السير في هذه الطريق القويمة التي خلخلت جزءا غير يسير من استقرار نظام الفيتو النتن الذي يصوت للمجرمين ويدعم المتوحشين ويقتات على السلب والنهب، ويترك عنه جميع الإقليمي الذي لا يختلف في حقيقته عن منظومة الاستبداد من حيث طبيعة علاقته مع النظام الدولي الكوروني، وأن يثق كل الثقة في قدرته على تغيير شبكة العلاقات الإقليمية والدولية لصالح علاقات أكثر توازنا ورقيا وتقديرا واحتراما للإنسان وثقافته، وأكثر ترسيخا لقيم العدالة والكرامة الإنسانية.

خاص أوطان بوست

محمد سعيد سلام
26 / 3 / 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً