رأي

خاص “أوطان بوست” إضاءة سياسية بعنوان: الحرية وصفقات السـلاح

محمد سلام يكتب لأوطان بوست .. الحرية وصفقات السـلاح

أوطان بوست – رأي

تعيش المنطقة العربية مخاضات مهمة في تبديل شبكة العلاقات الإقليمية والدولية وتغيير في الدور الحالي والمستقبلي للنسيج الحقيقي في التحكم بشؤونه السياسية والاقتصادية، وفي صناعة التاريخ وفي الإسهام الحضاري الذي ينسجم ويليق بهذه الجغرافية.

ربما يبدو الكلام مبالغا فيه من وجهة نظر بعضهم وهم باعتقادي معذورون حيث إن جرعة القـ.ـمع والقـ.ـهر والاسـ.ـتعباد التي تعرضوا لها لا يمكن الانفكاك عنها والتخلص من ربقتها بسهولة.

بالإضافة إلى أن مستوى الإجـ.ـرام والتهـ.ـجير والعذابات والآلام الممـ.ـنهجة على الشعب السوري منذ تسع سنوات يذهب بالكثيرين عن السياق والدلالات السياسية العميقة التي تؤسس لها الثورة السورية والربيع العربي، وإن الاهتمام والانغمـ.ـاس شبه التام بتحصيل لقمة سد الرمق وكفاف العيش بعد العوز الشديد لا يتيح الدقة في الرؤى التي تعكس الحال والمآل.

وهذا لا يعفينا بل يضاعف مسؤوليتنا في العمل على كل ما من شأنه أن يحقق ما أرادته هذه الثورة العظيمة دون استكانة أو تراجع .

لم تستطع الجهود المحلية والإقليمية والدولية في إلباس الثورة السورية اللباس الطائفي وجعلها تصطف إلى جانب إقليمي ضد آخر يمارس كل منهم دورا يتناقض مع الإرادة الشعبية في تحقيق الانتقال السياسي القائم على المواطنة والكفاءة بعيدا عن الدنس الطائفي المقيت الذي يتيح للفاشلين والفاسـ.ـدين والانتهازيين ومحدودي النظر تموضعات وصفات تفوق كثيرا قدراتهم وإمكانياتهم .

ولم تنجح جهود أخرى مماثلة في تثبيت الثورة السورية في خانة الراديكالية التي صدرت إلى الأرض السورية من بقاع شتى من العالم وترفض هذه الدول علانية استعادة مواطنيها ومحاكمتهم، فكيف خرجوا من السـ.ـجون وكيف عبروا الموانئ الجوية والحدود البرية ؟!

وقد ظل الثوار السوريون يرفضون هذا الشكل الغريب عن تاريخهم وعراقتهم الحضارية ضمن مراحل ومستويات ، وكان أدقهم سياسيا من ربط بين هذه الراديكالية وبين مصنعيها ومصدريها والمتحكمين بها ، وما زال بعضهم يتعامل سياسيا وفكريا مع أحد جزئي المعادلة ويفصل بينهما جهلا أو عمدا لأسباب متعددة بتعدد أصحابها وأغراضهم ، وهذا مما يجب متابعته والتنبه له والحذر منه وتبيانه ومعالجته .

ولم تنجح أيضا الآلاعيب في عملية تجزئة الثورة السورية وحصرها في مواجهة جهة دون أخرى بغية تفريغها من مضمونها الحقيقي فهناك إرهاب الدولة المنظم ، وهناك إرهـ.ـاب طائفي ممنهج ومدعوم، وهناك إرهاب مصنع عابر للحدود، وهناك إرهاب عرقي ، وهناك محتلون.

يريد الإقليمي المتعدد والدولي الأوحد من الثورة التصدي لبعضها والتعامل مع بعضها الآخر على أنه أمر واقع وهي جميعها ضد الشعب السوري وحريته وكرامته، وقد أثخنـ.ـوا جميعا فيه الجراح ومارسوا القتـ.ـل والإجـ.ـرام بكل وحشـ.ـية وهـ.ـمجية.

ولا يعني نفي نجاح الجهود المحلية والإقليمية والدولية في الملفات السابقة وسواها تبرئة الذات الثورية من الأخطاء، أو أن الثورة نجحت في القدر الكافي في مراكمة الخطوات نحو تحقيق المراد السياسي والاجتماعي، بل علينا الاعتراف بهذه الأخطاء لمعالجتها وتجاوزها دون الغرق في أتونها ودون إنكار نجاحاتها.

ومن جملة الملفات وأهمها بروزا في هذه المرحلة والتي يجب عدم القبول بها، أو التسليم بها، أو الوقوع تحت أسرها ، أو تبريرها حماية للأمن القومي لأحدهم أو رعاية مصالحه على حساب حرية الشعب السوري والاستهتار بدمائه التي اريقت وأعراضه التي انتهكت ، حيث تريد بعض الجهات الإقليمية كل من موقعه تغليب مصالحهم أو أمنهم على حساب ثورتنا والوقوف حجر عثرة إلى جانب الأمريكي لمنع تحقيق الانتقال السياسي وفق الإرادة والسيادة السورية.

والأمر الأكثر خطرا في هذا الجانب أصحاب الواقعية السياسية في الهياكل المصنعة أو التابعون لها أو المؤازرون ففي كل مفصل يطالعوننا بتصريحات وبيانات وسلوكيات تدعم تلك الملفات وأصحابها ضد قضايا شعبنا ، وينخرطون بخطوات إملائية كاللجنة الدستورية تفرط بتطلعات شعبنا الأصيلة.

ومن هذه الملفات صفقات السلاح التي يضعها منفذوها قبل الإنسان وحريته وكرامته، ويسهمون بسببها بإهدار الاستحقاقات الكبيرة التي ترسي الثورة السورية قواعدها ، كما يرون في هذه الصفقات قوة لهم وتعزيزا لمواقعهم ومستوى علاقاتهم ويضحون من أجلها بأخلاقهم و قيمهم وواجباتهم تجاه حاملي لواء التغيير وتجاه المظلومين ، ويتناسون أن الاستقواء بالإنسان يتفوق على كل الأسلحة وأكثرها تطورا، ويدعي أرباب هذه الصفقات أنهم يحملون مشروعا مغايرا للاستبداد ، وأنهم امتداد لإرث حضاري وتاريخي، وأنهم نموذج جديد يستحق التعويل عليه ودعمه والاقتداء به، وهو في الحقيقة نموذج لا يختلف في جوهره ومضمونه عن القائم والسابق من الأنظمة التبعية والوهمية والخادعة التي تصر على الخلط عمدا بين الشكل على حساب المعنى ، وبين الشعارات المكرورة الممجوجة على حساب البرامج العملية .
فكيف يوثق بأنظمة أو جهات ترى في الـ.ـصواريخ والطائرات قيمة أعلى من العدالة والحرية والسيادة بل إنهم يقايضون هذه المعاني بصفقات لا تسمن ولا تغني من جوع .
إن مجرد إهـ.ـمال الإنسان وقضاياه له تبعات سلـ.ـبية جمة ، فكيف إذا تعداه إلى الاصطفاف مع المـ.ـجرمين ودعمهم في وجه الشعب الذي أراد التخلص من المستبدين والطـ.ـغاة مقدما في سبيل ذلك أغلى ما يملك وعلى مدار سنين ؟!

ويخطئ خطأ فادحا من يظن من المحلي أو الإقليمي أو الدولي أن هذا التفكير وهذه العلاقات وتلك الصفقات المشبوهة يمكن أن تمر أو تبرر من قبل الربيع العربي والثوار السوريين.

وسوف يحصد – وأعتقد أنه بدأ – هؤلاء مجتمعين ومنفردين نتائج علاقاتهم وتصرفاتهم بحجة أمنهم ومصالحهم الاقتصادية.

وسيعاقبون عاجلا من الربيع العربي لأنهم لم يستطيعوا أن يتمايزوا أمام أحرار المنطقة عن داعمي الإجـ.ـرام والمسـ.ـتبدين ومشغليهم .

خاص أوطان بوست بقلم: محمد سعيد سلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً