تاريخ

أســـ.ـره الروم وتخلى عنه سيف الدولة فكتب قصيدة ملحمية تُبـ.ـكي الصخر .. “أبو فراس الحمداني” فارس السيف والقلم

أســـ.ـره الروم وتخلى عنه سيف الدولة فكتب قصيدة ملحمية تُبـ.ـكي الصخر .. “أبو فراس الحمداني” فارس السيف والقلم

أوطان بوست – فريق التحرير

بالرغم من براعة أبي فراس في الفروسية والقـ.ـتـ.ـال؛ إلا أن الروم قد أسـ.ـرته، وتتضـ.ـارب أقوال الرواة حول أسـ.ـر أبي فراس الحمداني (320هـ -357هـ) وعدد المرات التي أسـ.ـر فيها.

لقد حجب أبو الطيب المتنبي العديد من شعراء عصره إلا أبا فراس الحمداني «فارس السيف والقلم»، الذي شهد له الجميع بالشعرية حتى المتنبي نفسه.

وكان الصاحب بن عباد يقول :”بدئ الشعر بملك وختم بملك”، يقصد امرأ القيس وأبا فراس الحمداني.

أبو فراس الحمداني / صورة من الإنترنت

ومن أهم الحـ.ـوادث التي أثرت عليه هي أسره وموقف سيف الدولة الحمداني من أسـ.ـره، فما السبب وراء أسـ.ـر أبي فراس الحمداني ؟

فارس السيف والقلم:

أبو فراس الحمداني هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي (932 – 968 م)، كان أبوه واليًا على الموصل (العراق)، وقد قُـ.ـتـ.ـل أبوه وهو في سن الثالثة.

أما أمه؛ فقد كانت رومية، وقد تولت رعايته بعد مقـ.ـتل والده، وساعدها ابن عمه سيف الدولة الحمداني في رعايته.

يكنى الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي بأبي فراس، وقد اشتهر بكنيته لا باسمه، وهو ليس الشاعر الوحيد المكنى بأبي فراس، فالفرزدق أيضًا كنيته أبو فراس.

وقد تعلم الفروسية والعلوم على يد أفضل المؤدبين وكبار العلماء، ولما كَبُر استعان به ابن عمه سيف الدولة الحمداني في غـ.ـزواته مع الروم.

وكان أبو فراس الحمداني فارسًا مغوارًا، ومقـ.ـاتلًا شجاعًا، وكان يحب القـ.ـتـ.ـال لدرجة أنه إذا تركه سيف الدولة ولم يأخذه في غـ.ـزواته عاتبه على ذلك.

وقد ولاه سيف الدولة منبج (شمال سوريا حالياً)، وأخذ يدافع عنها ويحـ.ـارب الروم.

إنجازات أبو فراس الحمداني

شارك في مجالس الأدباء ونافس الشعراء، وكان واليا لمقاطعة منبج التي ولاه عليها ابن عمه سيف الدولة

قام بتأليف معظم قصائده خلال فترات أسره، واشتهر ببسالته وشجاعته واقدامه في مواجـ.ـهة الأعداء

لم يستطع ابو فراس الحمداني تجميع قصائده في كتاب، بسبب انشغاله في الحملات العسكرية والحـ.ـروب ضـ.ـد الروم، مما دفع بعضا من الكتاب والمؤرخين لتجميعها، مثل خالويه والثعلبي

أسـ.ـر أبي فراس الحمداني:

بالرغم من براعة أبي فراس الحمداني (320-357 ه) في الفروسية والقـ.ـتـ.ـال؛ إلا أن الروم قد أسـ.ـرته، وهنا تتضـ.ـارب أقوال الرواة.

فمنهم من يرى أنه أُسـ.ـر مرة ومنهم من يقول بل مرتين الأولى في عام 348ه‍‍، وزعموا أنه فر هـ.ـاربًا بفرسه، والثانية عام 351ه‍‍.

والراجح أنه أُسـ.ـر مرة واحدة وأن سيف الدولة الحمداني فداه سنة 355ه‍‍، وذلك لأن الثعالبي لم يذكر إلا أنه أسـ.ـر مرة واحدة وكان معاصرًا له.

كما أن الرواة متفقون على أن سيف الدولة فداه مرة وحيدة فقط، كما أنه لم يقل الروميات إلا بسبب إبطاء سيف الدولة الحمداني في فدائه.

موقف سيف الدولة الحمداني من أسـ.ـر أبي فراس:

قد يبدو موقف سيف الدولة الحمداني من أسر أبي فراس الحمداني غريبًا، فهو لم يسارع في فدائه بل تركه أسيرًا أربع سنوات.

وعندما كان ابن أخت الملك أسيرًا عند سيف الدولة وطلب أبي فراس منه أن يجعل الفداء خاصًا، بأن يفديه بابن أخت الملك رفـ.ـض سيف الدولة إلا أن يكون الفداء عامًا.

ومن الممكن أن يكون السبب الذي دفع سيف الدولة لذلك هو شعوره أن أبا فراس يطمع في الملك، فرأى أن يُبقيه في الأسـ.ـر ليكسر شوكته، ويضـ.ـعف قوته، ويريه أن الدولة غنية عنه.

فك أسـ.ـره:

اتفق العرب والروم على اللقاء بخَرْشَنَة سنة 355ه‍‍ لفداء الأسـ.ـرى، وفي شهر رجب جاء أبو فراس الحمداني ومعه 3000 أسير عربي، فتم الفداء.

وقد مـ.ـات سيف الدولة الحمداني بعد الفداء بعام متأثرًا بمرضه والهـ.ـزائم والانكسـ.ـارات التي حلت على الدولة.

وبعد موته؛ حاول أبو فراس الاستـ.ـيلاء على حمص من ابن سيف الدولة أبي المعالي، فعندها يلقاه مولاه قُرغُوَيْه، ويقـ.ـتـ.ـل أبو فراس.

شعر أبي فراس الحمداني في أسـ.ـره:

لا شك أن أسر أبو فراس الحمداني أثر على مشاعره، فجعل الشعر يتدفق في كل حـ.ـادثة وكل موقف يحدث له، وبخاصة وقد شعر أبو فراس بالخـ.ـذلان وتخلي سيف الدولة عنه.

وقد كتب عدة أشعار في أسـ.ـره عبرت عن جميع المواقف التي مر بها، وكأنها دفتر مذكراته في الأسر، وهي من عيون الشعر العربي، فقد كتب لسيف الدولة ليفديه وكتب لأبناء سيف الدولة، ولأمه.

وقد صور لنا شعره كل ما أحس به، ومن ذلك إحساسه بالعيد في الأسر، حيث يقول:

يا عيـدُ مـا عُـــدتَ بِمَــحبــــوبٍ … عَـلــى مُعَنّى القَلبِ مَكــــروبِ

ياعيــدُ قَــد عُــدتَ عَـلـى ناظِـــرٍ … عَـــن كُلِّ حُسنٍ فيكَ مَحجوبِ

يـاوَحشَــةَ الــدارِ الَّتــي رَبُّــها … أَصبَـــحَ في أَثـــــوابِ مَربـــوبِ

قَد طَلَــعَ العيــدُ عَلــى أَهـلِـــهِ … بِـوَجــهِ لاحُــسنٍ وَلا طـــــــيبِ

مــالي وَلِلـدَهــــرِ وَأَحـــــــداثِــهِ … لَـقَـــد رَمــــاني بِالأَعاجـــــــيبِ

أمضى سنوات عصيبة في السـ.ـجن، لكنها كانت كفيلة بإطـ.ـلاق العنان لطاقاته الشعرية الاستثنائية.

وسبحان الله على التوافق الفكري الذي كان بين أبي فراس والمتنبي ! فقد كتب الثاني أبياتًا في عيد الأضحى، وكان لديه نفس مشاعر الأول، ومنها:

عيــدٌ بأيّـــةِ حــالٍ عُــدتَ يـا عيــدُ .. بمَــا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّـا الأحِبّــةُ فـالبَيْــداءُ دونَهُــمُ .. فَلَيــتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيـــــدُ

ومن أروع أشعاره ما كتب عندما رأى حمامة جعلته يشعر بالحنين لوطنه، فقال:

أقُولُ وَقَدْ نَاحَــتْ بِقُرْبي حمامَـــــة .. أيــا جارتا هل تشعرين بحــــالي؟

معاذَ الهوى ماذقتِ طـارقة َ النَــوى .. وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُـــومُ ببـــالِ

تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحًا لَدَيّ ضَعِــــــيفَة ً .. تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَــــــــــالِ

أيَضْحَكُ مأسُورٌ، وَتَبكي طَلِيــــقَة ٌ .. ويسكتُ محزونٌ، ويندبُ ســالِ؟

لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلة ً .. وَلَكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَـالِ!

مرقد أبو فراس الحمداني في مدينة حمص / إنترنت

مناجاة أبو فراس الحمداني للحمامة في سجـ.ـنه أنتجت قصيدة ملحمية تاريخية

ولا ندري هل استلهم أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة يا نائح الطلح من أبي فراس، أم أن رؤية الحمام قد فجّـ.ـرت الطاقات الشعرية لدى الشاعرين؟ فقد قال شوقي وهو في منفاه في إسبانيا (الأندلس):

يا نائـح الطلح أشباه عوادينــا .. نشـجـى لواديك أم نأسى لوادينا ؟

مـاذا تقص علينــا غير أن يـــدا .. قصــت جناحك جالت في حواشينا

وقد كتب أبو فراس لسيف الدولة إن كانت مفاداته تتعذر عليه؛ فليأذن له بمكاتبة أهل خراسان، فرد عليه ومن يعرفك في خراسان، فكتب أبياتًا شعرية، تُنطق الجماد، يقول فيها:

أَسَيْفُ الهُـدَى، وَقَرِيــعَ العَـــرَبْ .. عَــلامَ الجفاءُ ‍ وفيمَ الغضب ؟

وَمَــــــا بَالُ كُتْبِكَ قد أصْبَحَتْ .. تنكبنـــــــي معَ هذي النكــبْ

وَأنْـتَ الكَـرِيـــمُ، وَأنْتَ الحَـلِــيمُ،.. وأنْـتَ العَطُوفُ، وأنْتَ الحَدِبْ

وكتب قصيدة تُبكي الصخر عندما ذهبت أمه إلى سيف الدولة تسأله فداء ابنها فردها سيف الدولة خائبة، وجـ.ـرحها، وفي مطلعها يقول:

يا حَسـرَةً ما أَكــادُ أَحمِلُها .. آخِــرُهــا مُزعِـجٌ وَأَوَّلُـــها

وفيها يحدث أمه ويستعطف سيف الدولة، ويخبره أنه باقٍ على المودة، ولم يقطع الرحم، ويسأله أن يسارع في فدائه.

علاقته بأمه تعززت بعد الوفاة المبكرة لوالده .. فنشأ الحمداني يتيم الأب

علاقته بأمه تعززت بعد الوفاة المبكرة لوالده .. فنشأ الحمداني يتيم الأب

وأما قصيدته «أراك عصي الدمع» التي اشتهرت في الآفاق، وتغنى بها الناس، وكانت فيها العديد من الأبيات التي خرجت مضرب الأمثال فهي:

أَراكَ عَصِيَّ الدَمـعِ شيمَتُــكَ الصَبـرُ .. أَمـا لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ

بَلى أَنا مُشــــــــتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَـةٌ.. وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِــــــرُّ

وفيها يتحدث عن أسره، وأنه كان بسبب قضاء الله سبحانه وتعالى ولا رادّ لقضائه، فقد أسر أبو فراس الحمداني بالرغم من أن أصحابه كانوا مسـ.ـلحين وفرسه متمرسة، وهو فارس مغوار، وفي ذلك يقول:

أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى .. وَلا فَرَسي مُهرٌ وَلا رَبُّهُ غَمرُ

وَلَكِن إِذا حُمَّ القَـــــضاءُ عَلى اِمــرِئٍ .. فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقـــــيهِ وَلا بَحرُ

وفيها يُذكر قومه بمكانته العظيمة، ويواسي نفسه، قائلًا:

سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم ..

وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ

لا شك أن أسر أبي فراس الحمداني كان مؤلمًا، ولكن أبا فراس ظل معتزًا بنفسه مفتخرًا بها، وكان عصي الدمع، ولكنه أمتعنا بتلك الدرر التي زينت الشعر العربي، والتي نظر لها النقاد والشعراء نظرة إعجاب.

وفاة أبو فراس الحمداني

بعد خروجه من الأسر بعام، توفي ابن عمه سيف الدولة، وكان لسيف الدولة مولى اسمه قرغويه الذي طمع في الحكم.

غير أنه طالب أبى المعالي، ابن اخت أبي فراس، ليكون أميراً على الإمارة لاستغلاله في بسط يده على الامارة باسم أميره

أدرك أبو فراس نوايا قرغويه فقامت معـ.ـركة بينهما قُتـ.ـل فيها أبا فراس في بلدة صدد جنوبي شرقي حمص في 4 أبريل 968.

مقالات ذات صلة