رأي

ماذا بعد الهدوء في إدلب؟.. هل تنسحب تركيا إذا فشل الاتفاق الأخير؟

خاص أوطان بوست: "أحمد عاصي" ماذا بعد الهدوء في إدلب؟.. هل تنسحب تركيا إذا فشل الاتفاق الأخير؟

أوطان بوست – رأي – أحمد إسماعيل عاصي

يخيم هدوء قلق في محافظة إدلب يدخل شهره الثاني عقب إعلان وقف إطـ.ـلاق النـ.ـار الأخير بين تركيا وروسيا، على خلفية مواجهات عنيفة شهدتها المنطقة، شاركت بها القوات التركية لأول مرة وانتهت بمـ.ـقـ.ـتل عدد من الجنود الأتراك، وتوغل كبير لقوات النظام وميليشـ.ـياته بعمق مناطق المعارضة تحت غطاء جوي ودعـ.ـم روسي كامل.

الاتفاق تعرقل في بنده الأول من جراء اعتصام قامت به هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها وعدد من المدنيين من أبناء المنطقة على طريق “إم فور” مانعين بذلك تسيير الدوريات الروسية التركية، وقاطعين الطريق بالوقت ذاته على تنفيذ الاتفاق الذي نص في بنده الأول على تسير الدوريات وصولاً إلى تأمين طريق حلب – اللاذقية على مسافة 6 كيلو متر على يمين الطريق وشماله تحت إشراف روسي تركي.

لكن تبدو التحولات الأخيرة داعمة للموقف التركي ومرجحة من احتمالية استمرار الاتفاق ولا سيما عقب اجتماع تركي أوروبي خلص إلى دعم التحركات التركية في سوريا، وكذلك تقديم دعم مالي لمناطق المعارضة بحسب ما أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، مشيرة إلى ضرورة الحفاظ على الاتفاق الروسي التركي وتقديم 25 مليون يور لتقوية الجهود الإغاثية والإنسانية في المنطقة، وهو ما يشير إلى بقائها خارج سيطرة النظام إلى حين بلورة حل نهائي للقضية السورية.

وكذلك لم تغب خلال الأسابيع الماضية الجهود الأميركية التي بدأت بزيارة أجراها وفد أميركي برئاسة جيمس جيفري إلى الشمال السوري، التقى خلالها عدد من الفعاليات المعارضة، ومنها منظمة الدفاع المدني في رسالة واضحة إلى عودة أميركية فاعلة إلى الخارطة السورية، إضافة إلى ما حملته تصريحات جيفري من تأكيد وقوف واشنطن مع الجهود التركية الرامية إلى الاستقرار مشيراً بالوقت ذاته إلى ضرورة استمرار وقف إطلاق النار.

ولعل الملفت أكثر في التصريحات السياسية الأخيرة حيال إدلب تكرار عبارة العودة إلى مسار جنيف في إشارة إلى رغبة دولية بإضعاف الدور الروسي، والضغط على موسكو لإغلاق الملف السوري بناء على مقررات مؤتمر جنيف، مؤكدة ذلك الولايات المتحدة التي عرقلت مسودة مشروع تقدمت بها روسيا إلى مجلس الأمن تهدف إلى تثبيت الاتفاق الأخير، إضافة إلى تلويح واشنطن بالبدء في تنفيذ قانون قيصر.

إقرأ أيضاً: أسامة عثمان يكتب لـ ” أوطان بوست” كورونا، حين يكشف عيوب الساسة

التطورات الأخيرة لا شك أنها تنعكس بشكل أو بآخر على الدور التركي في إدلب، وهو ما يبدو حاسماً من خلال التواجد العسكري الكبير، وتعزيز القدرات العسكرية بما استقدمه الجيش التركي من أسلحة ثقيلة وصلت إلى حد إدخال منظومات دفاع جوي، وهو ما حال بين نظام الأسد وحلفائه وبين إكمال السيطرة على باقي الشمال السوري بعد أن باتوا قاب قوسين أو أدنى، إلا أن التغييرات المستمرة في المنطقة تضع تركيا أمام واحد من سيناريوهات أربعة يترتب على تطبيق أي منها رسم مستقبل إدلب والشمال السوري بشكل عام.

أول هذه السيناريوهات يتلخص في تمكن تركيا من المضي قدماً في تنفيذ بنود الاتفاق الأخير الذي يبدو أنه تعسر حتى الآن، وبالتالي فإن تركيا أمام معضلتين، الأولى طارئة نشأت من جراء قطع الطريق الدولي “إم فور” من قبل أنصار هيئة تحرير الشام، والمعـ.ـضلة الثانية ثابتة وهي مرتبطة أيضا بهيئة تحرير الشام وبمقدرة تركيا على تفكـ.ـيكها مع بعض المجموعات الأخرى المدرجة على قوائم الإرهاب، وهو ما قطعت فيه أنقرة شوطاً كبيراً، واستطاعت أن تحوّل خلاله توجهات الهيئة، وأن تفكك الكثير من المجموعات التابعة لها، وعلى وجه الخصوص المجموعات المحلية كجيش الأحرار ونور الدين زنكي ولواء الحق وغيرها، وهو ما يلقي على كاهل تركيا أعباء كثيرة ربما لا تتمكن من تذليلها إذا فرضت مواجهة مفتوحة مع الهيئة وأنصارها وهو ما يبدو أن تركيا تحاول تجنبه حتى النهاية.

فيما يعتبر السناريو الثاني الأخطر على المنطقة وبالوقت نفسه أقل ترجيحاً لأنه يفترض انسحاب القوات التركية من إدلب، وقد عزز هذا السيناريو مصدر عسكري مقرب من تركيا، وأكد أن فشل تنفيذ الاتفاق الأخير وخرقه من قبل تحرير الشام يعني إضعافاً للموقف التركي، وذريعة لقوات الأسد وروسيا من أجل إكمال المعركة، وأشار المصدر إلى أن الخطة التركية تتضمن الانسحاب من إدلب في حال وجدت أن المعـ.ـركة ستكبدها خسائر كبيرة، ولا سيما أن تركيا الورقة الأضعف في ظل تحالف كبير يسعى إلى دعـ.ـم الأسد من أجل إلحاق الهـ.ـزيمة بتركيا، تستفيد منه إيران وروسيا وتشارك فيه بعض دول الخليج.

إقرأ أيضاً: مجاهد ديرانية يكتب .. سؤال الثورة الأكبر في عيدها التاسع

وحمّل المصدر العسكري فصائل المعارضة وأهالي المنطقة مسؤولية الحفاظ على الاتفاق على أنه الحل الوحيد لإنقاذ المنطقة من نظام الأسد وداعميه، وداعا إلى ضرورة إدراك المخاطر المترتبة على فشل الاتفاق محذراً من مصير سبقت إليه كل من الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي وغيرها من مناطق المعارضة.

وأما ثالث السيناريوهات والأكثر ترجيحاً وقرباً من الواقع الحالي يتلخص في استمرار الاتفاق الروسي التركي على ما هو عليه، وقيام تركيا من خلال تعزيزاتها العسكرية بتثبيت الاتفاق على وضعه الراهن وإعادة ترتيب أوراق المنطقة، وتأمين طريقي حلب – دمشق وحلب – اللاذقية ومن ثم إعادة تأهيل المنطقة وإعادة سكانها إليها على غرار ما حصل في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات.

ويرجح السيناريو الرابع عودة لعمليات عسكرية لا تشارك فيها روسيا وهو ما حمله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارته الأخيرة إلى دمشق ليبقى بذلك النظام والميليشيات الإيرانية بشكل منفرد في مواجهة تركيا وفصائل المعارضة، وفي حال جرى هذا السيناريو فإن عودة النظام إلى حدود سوتشي ستصبح واقعاً لا سيما وأن أميركا سترجح من كفة تركيا في هذه المعركة المحتملة، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين واشنطن والميليشيات الإيرانية، وتتنامى فيه الرغبة الاميركية بإنهاء الوجود الإيراني أو إضعافه على أقل احتمال في شمال وشمال شرق سوريا وهو ربما ما يقع تحقيقه على عاتق تركيا وفصائل المعارضة في قادم الأيام.

أحمد إسماعيل عاصي (صحفي سوري)

خاص أوطان بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً