رجال

لقبوه بـ “بلبل الشام” ولا زال صوته خالداً في ذاكرة السوريين .. قصة المنشد الدمشقي الراحل “توفيق المنجد”

لقبوه بـ “بلبل الشام” ولا زال صوته خالداً في ذاكرة السوريين .. قصة المنشد الدمشقي الراحل “توفيق المنجد”

أوطان بوست – فريق التحرير

لكل بلدٍ تاريخ عريق، ولكل تاريخٍ صفحات، ولكل صفحة عنوان يحمل إسماً أو شيئاً ما، يكون بالنسبة للعامة أصلاً للعراقة والتاريخ والحضارة.

وعند الحديث عن الحضارات والتاريخ، فلا بد لسوريا أن تتربع على عرش القمة، لما قدمته من معالم وشخصيات، ملأت السطور، وتركت أثرها الذي بقي مرافقاً لذاكرة كل سوري.

ولعلٌَ أكثر مايرسمه السوريين في مخيلتهم، ولا سيما مع قدوم شهر رمضان المبارك، شخص وضع إضافة مميزة في رونق الشهر الكريم بالنسبة للسوريين.

المنشد الكبير الراحل “توفيق المنجد” / صورة من الإنترنت

كان مبدعاً في الإنشاد الديني، فعوائل السوريين أكثر ما كانوا يفضلونه على مائدة الإفطار هو الاستماع لأناشيده ولا سيما الرمضانية.

واشتاقت إليه مآذن المسجد الأموي في دمشق، وكيف لها أن لا تتأثر وتشتاق، وهو من كان شامخاً عليها مؤذناً لسنوات طوال.

إنه المنشد الراحل “توفيق المنجد”، وهو توفيق بن أحمد الكركوتي، ونُسِبَ إليه لقب “المنجد”، كناية لمهنة والده “التنجيد”.

نشأته ومرحلته التعليمية

وُلِدَ المنجد في حي القيمرية في العاصمة السورية دمشق عام 1910م، ودرس الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيرية الخاصة.

كان يميل منذ صغره للاستماع للأناشيد، ودائماً ما كان يستمع لفرق الإنشاد الديني، ويرافقهم في معظم المناسبات، لكثرة شغفه وتولعه بذلك.

دخوله عالم الإنشاد

ومع مرور الوقت، واكتسابه للخبرات، خاض المنجد تجربته الأولى، وعمل ضمن فرق الإنشاد الشعبي المعروف.

وانضم لفرقة صغيرة مؤلفة من مجموعة من العازفين والمنشدين الهواة، وبعد سنوات قليلة أصبح منشداً رئيسياً في حلقات الفرق الصوفية.

ازدادت خبرة المنجد، وتحول إلى شخصيةٍ مرموقة يعرفها الجميع، الأمر الذي دفع مديرية أوقاف دمشق للتعاقد معه لإحياء ليالي رمضان والمناسبات الدينية في المسجد الأموي، ومؤذناً له.

فكانت له أناشيد كثيرة، تذاع عبر الأثير في وقت السَحَر، ومن أبرز أناشيده”رمضان تجلى وابتسم، فالقلب لا يخفى عليك، وغيرها كثر”.

حصد المنجد شهرةً كبيرة، وبات الصوت المرغوب، والذي يعشقه الجميع، ولكثرة شغف الناس بصوته، أطلقوا عليه لقب “بلبل الشام”.

التحق بالمعهد الموسيقي الشرقي، ثم طلبته شركة كولميا في لبنان، فسجل فيه عشر اسطوانات من الوصلات الإنشادية.

وللمنجد قصائد ونظم في مدح النبي صلي الله علبه وسلم أشهرها:
ياراحلين يم المصطفى
بلغوا سلامي إلى الحبيب
نـ.ـار قلبي لن تنطفي
إلا أن أزورك ياحبيب.

لم يعتمد المنجد على الإنشاد كمصدرٍ في رزقه، إنما كان رجلاً غنياً، ويعمل كتاجراً للأقمشة في سوق الحرير في دمشق.

وتم اختياره رئيساً لرابطة المنشدين في سوريا، وشغل هذا المنصب إلى حين وفاته.

وفـ.ـاته

توفـ.ـي المنشد “توفيق المنجد”، عام 1998, تاركاً خلفه الأثر الحسن، والمثال الرائع للإنشاد، والصوت العذب الذي كان ينطلق من مآذن المسجد الأموي ليصدح صداه العذب في أرجاء دمشق.

رحل وترك خلفه مسيرة 70 عاماً، من الإبداع في ذاكرة السوريين، الذين اعتادوا على صوته في السحر ومع ساعات الغروب الأخيرة.

وكثيراً مايقولون أن المـ.ـوت يطوي الصفحات، إلا أن صفحة المنجد طُويَت من الحياة الدنيا، ولكن ما فيها من إبداعٍ وشغف بقيَ محفوظاً في الذاكرة.

فلا زال السوريون، ومنذ وفـ.ـاته حتى يومنا الحالي، يستذكرون الراحل بأناشيده التي يعرفونها جيداً، ويحفظون صوته العذب في الأذان، عند ما كان يصدح من مآذن المسجد الأموي.

مقالات ذات صلة